قدم الأستاذ مهنا المنوري واعظ ولاية السويق محاضرة
بعنوان ( نصائح وتوجيهات ) لطلاب مدرسة جابر بن عبدالله الأنصاري
وذلك ضمن برنامج تطويرالأداء المدرسي ( اللجنة الاجتماعية والثقافية بالمدرسة )

تخللتها العديد من المحطات وهي كالتالي :

بدأ المحاضر حديثه عن الشباب هم قادة الغد وأمل المستقبل وعلى أكتافهم تقام حضارات , وترفع الأمجاد , ولقد اهتم الإسلام بالشباب اهتماما جادا ووجه حميتهم توجيها سديدا.


بعد ذلك تطرق المحاضر إلى :


أن المحللون والمثقفون وعلماء الإجتماع يعرفون الشّباب على أنّهم الفئة الإجتماعيّة الأكثر فعاليةً ونشاطاً واندفاعاً نحو العمل والتّغيير، نظراً لما يمتلكونه من عناصر حمل الحلم، ومن طاقاتٍ إبداعيّةٍ ذاتيّة تؤهلهم الانخراط في الهمّ الجماعيّ، وبالتالي الانتقال من حالة الممكن أو البحث عن الذّات إلى مرحلة الإنجازات الفاعلة المدفوعة بإرادة التغيير ومشاعر الطّموح..


وعلى الرّغم من أنّهم مستقبل الأمة وضمان تطوّرها، إلّا أنّهم قد يمثّلون عنصراً من عناصر جمودها وركودها أيضاً، عندما يضحون أسرى مشاعر العجز بفعل أعباء الحياة المادّيّة، وعبء جنوح الهوى، ووفرة الأحلام الّتي تبقيهم في دائرة اللاواقع، في ظلّ نقص التّجربة الّتي تدفع بالإنسان نحو الواقعيّة، ووسط أجواء الحماس الإنفعالي المتجلّي غالباً في الأنماط السّلوكيّة لتلك الفئة العمريّة.



أمام هذا الواقع، تُطرح إشكاليّة التّأسيس السّليم والمواكبة النّاجعة للشّباب كإحدى أهمّ الإشكالات المعاصرة –لاسيّما في واقعنا العربيّ والإسلاميّ- في سبيل الانتقال من حالة التّخبّط والتقهقر السّائدة في العديد من البلدان، إلى واقعٍ يحتضن الحيويّة والدّيناميكيّة الفاعلة في شتّى المجالات الحركيّة في الحياة.










ثم تخلل المحاضر حديثه فيمايلي :


وهنا، يأتي الدِّين في سلّم المداميك الأساسيّة للتنشئة الإنسانيّة، على اعتبار أنّه يربط الفرد بعقيدة إيمانية تجعل من الله هدفاً أسمى، ومن الخلاص ما بعد الموت غايةً أساسيّة، وبالتالي تصبح الحياة –ومعها الإنجازات والطّموحات-وسيلةً لا غايةً في حدّ ذاتها، وما يصحب ذلك من تقبّل الواقع وتحمُّل آلامه كونه ببعده الأخرويّ مُزيّفاً لا واقعا.


انطلاقاً من هذا الفهم المختصر الّذي يقدّم رسالة الدّين على أنّها آليّةً لصياغة حياةٍ إنسانيّةٍ على قاعدة السّلامة النّفسيّة والفكريّة، قد تُستنتج الطّروحات التّالية:


-كلّما كان المجتمع متديّناً، كلّما تجلّت فيه السّلامة العامّة، وكلّما كان أقرب إلى الاستقرار والنّموّ والازدهار والمعرفة، على اعتبار أنّ الدّين يدفع نحو إعمال العقل وطلب العلم، لأنّ من تساوى يوماه فهو مغبون.


-الشّاب المتديّن هو شابٌّ مستقرٌّ نفسياً، يلتقي بطهارة الفطرة العفويّة التي تجعله يتحرّك ببساطة عندما يطلّ على نفسه ليرى الله مشرقاً في عقله وقلبه، ما يفتح له باب المحبّة للناس كلّهم، سواءٌ أكانوا يختلفون معه أم يتفّقون، وباب الرّحمة والسماح واللين والرّفق...


-الشاب المتديّن إنسانٌ يسعى ويجتهد ليحقق أحلامه وطموحاته، لكنّه يرضى ويقنع بما قسمه الله له، كونه الرّحمن الرّحيم القادر على رحمة الشّباب في أحلامهم وطموحاتهم، فإذا أُغلِق لهم باب أملٍ، فتشوا عن أبوابَ أخرى..


وقد تُردف إلى تلك الطروحات استنتاجات أخرى، كلّها مستمدّة من جدليّة السّلام والدّين، إلّا أنَّ السّؤال الابرز الّذي يشقّ طريقه في السّاحة الدّينيّة اليوم ينحصر في مدى تحقق تلك الغايات والمقاصد "الطّوباويّة" للدين على أرض الواقع، بحيث قد يستهجن أحدهم قائلاً: في الأمس البعيد لم تكن المعرفة الدّينيّة وافية بين الشّباب والمجتمع ككًلّ، إلّا أنَّ العلاقات الاجتماعيّة آنذاك كانت قائمة على التّعاون والاحترام والمحبّة، في حين أنّه، وفي ظلّ الوفرة في وسائل الاتصال الّتي تتيح للجميع الحصول على العلوم كافة بما فيها الدّينيّة، بات الجميع يفقه الدّين، ويتكلّم بطلاقة وسعة اطّلاعٍ عنه، إلّا أنَّ واقع علاقات الشّباب ببعضهم يعكس حقداً وكراهيةً وتكفيراً وغضباً وضيق خُلُق..








هذا الواقع ساهم –مع أسبابٍ أخرى- في تعزيز شعور نفور الشّباب من الدّين، واعتباره سبباً للنّزاعات والمشاكل، وسبيلاً في تحجيم طاقات الشّباب الفكريّة والابداعيّة، خصوصاً في ظلّ ذهنية "التّحريم" الّتي يكتنزها البعض وينشرها، والقائمة على اقتصار تقديم الدّين كجملة من القواعد والقوانين الّتي حرّمت العديد من المسائل، فصُوَّر على أنّه عسرٌ أمام التّقدّم. وما زاد الأمر تعقيداً أنَّ المجتمعات الدّينيّة مجتمعاتٌ فقهيّةٌ لا فكريّة، قدّمت فقه "التّحريم" و"الّتّحليل" على أنّه جزءٌ من المقدّسات الّتي يصعُب النّقاش حولها أو التّشكيك بها. وهكذا، واجه علماء الدّين منطق الشّكّ في الحقيقة الّذي يعيشه الشّباب فكراً ومنهجاً علمياً في شتى العلوم المعرفيّة الأخرى، فاعتمد بعضهم الأساليب التي تحاول أن تتحدّى الشّك بالعنف، وتقضي على الشّبهة بالشّتيمة والتّكفير، مع العلم أنَّ أسلوباً كهذا من شأنه أن يوحي بعدم قدرة الأفكار الدّينيّة على مجابهة الشّكّ بالفكر والعلم والحجّة والبرهان، كما من شأنه إغراق الأمّة "الشّابّة" في حيرةٍ عميقةٍ صامتة، وقلقٍ داخليٍّ مدمّر. وقد تأتي تلك الأساليب بموازاة ذاك الجوّ الرّسمي الّذي يخيّم على الصّلة الّتي تربط علماء الدّين بالشّاب، فلا يعيشون أفكاره وتطلّعاته وآماله ولا يحاكونها حتى يستطيعون ملامسة حياته الطّبيعيّة عن قرب. وإننا لطالما نشهد الشّكاوى التي يثيرها الشّباب بأنهم يحاولون الحصول على إيجابات دينيّة عن أسئلة تؤرقهم، إلا أنَّ الهوّة التي لا يستطيعون تجاوزها مع علماء الدّين تحول دون ذلك.


وفي هذا الإطار، تظهر مدى أهميّة الأسلوب في الدّعوة الدّينيّة، سواءٌ أكانت دعوة الأهل داخل المجتمع الأسري أم دعوة العلماء أنفسهم. إنَّ الواقع الحاليّ لا يُطلعنا على الكثير من النّماذج الّتي تعتمد أسلوب النّقاشات الفكريّة والحوار السّلس وطرح التساؤلات بحريّة حتى يستنتج الشّباب أنفسهم الإجابات عنها، بل نجد في أغلب الأحيان ما يشبه التّلقين وتقديم المواد الدينية كموادّ جامدةٍ تجمّد الدّين في نفس الشّابّ بدلاً من أن تحرّكه بالدّين. ولعلّ بعضهم يقف مستغرباً أمام الكلام الّذي يصدر من هنا وهناك والّذي يقدّم حبّ الحياة الدّنيا على أنه خطيئة، فيُخيّل للشّابّ أنَّ جُلَّ ما عليه فعله هو القيام بالواجبات التعبديّة من صلاة وصومٍ وإطلاق لحيةٍ وحمل مسبحة.. بينما ينزوي عن الحياة، فالله هو الّذي سييسّرها عليه طالما أنّه يعبده..!!


لقد بات الشّاب المعاصر غير واثقٍ بما يقدّمه علماء الدّين من "دين"، وغير واثقٍ بجدوى الدّين في إحلال القيم التي تأتي في صلب الرّسالات السّماويّة، فالخطاب المعاصر قليلاً ما يركّز على القيم والأخلاق والمواطنة..، ويستبدل ذلك تركيزاً على عدم الإختلاط وعلى اللباس و"الخلافة الإسلاميّة"، علماً أنَّ العديد من الشّباب في المجتمعات الإسلاميّة يعانون أمراضاً عديدة من قبيل الحسد، الغيرة، الكآبة، الإحباط، فقدان الثّقة بالنّفس، عدم القدرة على التّواصل النّاجح مع الآخرين، سوء الظّنّ، الأسلوب الفظّ، الغضب الشّديد وعدم القدرة على ضبط النّفس.... وأمام هذه الحالة من فقدان الثّقة، قد يكون البديل الأنجع هو فيما يتعلّق بتقديم رسالة الدّين بقالبٍ علميٍّ يستهوي الشّباب الجامعي. ولعلّ ما قدّمته علوم التّنمية البشريّة من معارف وقدرة على تطوير الشّخصيّة بشكلٍ سليم متوازنٍ يأتي بمثابة ترجمة واقعيّة وملموسة لمقاصد الرّسالات السّماويّة...


إنَّ الشّباب هم أكثر النّماذج البشريّة حاجةً إلى الديّن، وإنَّ الشّابّ المعاصر ليس عدواً للدين، بل إنّه عدوٌّ للأساليب المتخلّفة التي يمارسها البعض باسم الدّين.. هو ليس عدوّ الحقيقة، بل عدو الحواجز الَّتي تحاول أن تقدّم له الحقيقة بشكلٍ تلقينيّ وفي ألف حجابٍ وحجاب..


وقد لاقت المحاضرة تفاعلا مميزا من الطلاب والحضور .